سورة القيامة - تفسير تفسير البغوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (القيامة)


        


{وَخَسَفَ الْقَمَرُ} أظلم وذهب نوره وضوءه. {وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ} أسودين مكورين كأنهما ثوران عقيران. وقيل: يجمع بينهما في ذهاب الضياء. وقال عطاء بن يسار: يجمعان يوم القيامة ثم يقذفان في البحر فيكونان نار الله الكبرى. {يَقُولُ الإنْسَانُ} أي الكافر المكذب {يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ} أي: المهرب وهو موضع الفرار. وقيل: هو مصدر، أي: أين الفرار قال الله تعالى: {كَلا لا وَزَرَ} لا حصن ولا حرز ولا ملجأ. وقال السدي: لا جبل وكانوا إذا فزعوا لجؤوا إلى الجبل فتحصنوا به. فقال الله تعالى لا جبل يومئذ يمنعهم. {إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ} أي مستقر الخلق.
وقال عبد الله بن مسعود: المصير والمرجع، نظيره: قوله تعالى: {إلى ربك الرجعى} [العلق- 8] {وإلى الله المصير} [آل عمران – 28، النور – 42، فاطر- 18].
وقال السدي: المنتهى، نظيره: {وإن إلى ربك المنتهى} [النجم- 42]. {يُنَبَّأُ الإنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ} قال ابن مسعود وابن عباس: {بما قدم} قبل موته من عمل صالح وسيئ، وما أخر: بعد موته من سنة حسنة أو سيئة يعمل بها.
وقال عطية عن ابن عباس: {بما قدم} من المعصية {وأخر} من الطاعة.
وقال قتادة: بما قدم من طاعة الله، وأخَّر من حق الله فضيَّعه.
وقال مجاهد: بأول عمله وآخره. وقال عطاء: بما قدم في أول عمره وما أخر في آخر عمره.
وقال زيد بن أسلم: بما قدم من أمواله لنفسه وما أخر خلفه للورثة.


{بَلِ الإنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ} قال عكرمة، ومقاتل، والكلبي: معناه بل الإنسان على نفسه من نفسه رقباء يرقبونه ويشهدون عليه بعمله، وهي سمعه وبصره وجوارحه ودخل الهاء في البصيرة لأن المراد بالإنسان هاهنا جوارحه، ويحتمل أن يكون معناه {بل الإنسان على نفسه بصيرة} يعني: لجوارحه، فحذف حرف الجر كقوله: {وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم} [البقرة – 233] أي لأولادكم. ويجوز أن يكون نعتًا لاسم مؤنث أي بل الإنسان على نفسه عين بصيرة.
وقال أبو العالية، وعطاء: بل الإنسان على نفسه شاهد، وهي رواية العوفي عن ابن عباس، والهاء في {بصيرة} للمبالغة، دليل هذا التأويل. قوله عز وجل: {كفى بنفسك اليوم عليك حسيبًا} [الإسراء- 14]. {وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ} يعني يشهد عليه الشاهد ولو اعتذر وجادل عن نفسه لم ينفعه، كما قال تعالى: {يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم} [غافر- 52] وهذا قول مجاهد وقتادة وسعيد بن جبير وابن زيد وعطاء: قال الفراء: ولو اعتذر فعليه من نفسه من يكذب عذره ومعنى الإلقاء: القول، كما قال: {وألقوا إليهم القول إنكم لكاذبون} [النحل- 86]. وقال الضحاك والسدي: {ولو ألقى معاذيره} يعني: ولو أرخى الستور وأغلق الأبواب. وأهل اليمن يسمون الستر: معذارًا، وجمعه: معاذير، ومعناه على هذا القول: وإن أسبل الستر ليخفي ما يعمل، فإن نفسه شاهدة عليه. قوله عز وجل: {لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ}.
أخبرنا عبد الواحد المليحي، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي، حدثنا محمد بن يوسف، حدثنا محمد بن إسماعيل، حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا جرير، عن موسى بن أبي عائشة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله عز وجل: {لا تحرك به لسانك لتعجل به} قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزل عليه جبريل بالوحي كان ربما يحرك لسانه وشفتيه فيشتد عليه، وكان يعرف منه، فأنزل الله عز وجل الآية التي في لا أقسم بيوم القيامة: {لا تحرك به لسانك لتعجل به}.


{إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ} قال علينا أن نجمعه في صدرك، وقرآنه. {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ} فإذا أنزلناه فاستمع. {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} علينا أن نبينه بلسانك. قال: فكان إذا أتاه جبريل عليه السلام أطرق فإذا ذهب قرأه كما وعده الله عز وجل، ورواه محمد بن إسماعيل، عن عبد الله بن موسى، عن إسرائيل، عن موسى بن أبي عائشة بهذا الإسناد وقال: كان يحرك شفتيه إذا نزل عليه، يخشى أن ينفلت منه، فقيل له: {لا تحرك به لسانك} {إن علينا جمعه} أن نجمعه في صدرك {وقرآنه} أن تقرأه. {كَلا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَتَذَرُونَ الآخِرَةَ} قرأ أهل المدينة والكوفة {تحبون} {وتذرون} بالتاء فيهما، وقرأ الآخرون بالياء أي يختارون الدنيا على العقبى، ويعملون لها، يعني: كفار مكة، ومن قرأ بالتاء فعلى تقدير: قل لهم يا محمد: بل تحبون وتذرون {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ} يعني يوم القيامة {نَاضِرَةٌ} قال ابن عباس: حسنة، وقال مجاهد: مسرورة. وقال ابن زيد: ناعمة. وقال مقاتل: بيض يعلوها النور. وقال السدي: مضيئة. وقال يمان: مسفرة. وقال الفراء: مشرقة بالنعيم يقال: نضر الله وجهه ينضر نضرًا، ونضَّره الله وأنضره ونضُر وجهُه ينضُر نُضْرةً ونَضَارة. قال الله تعالى: {تعرف في وجوههم نضرة النعيم} [المطففين- 24] {إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} قال ابن عباس: وأكثر الناس تنظر إلى ربها عيانًا بلا حجاب. قال الحسن: تنظر إلى الخالق وحق لها أن تنضر وهي تنظر إلى الخالق.
أخبرنا أبو بكر بن أبي الهيثم الترابي، أخبرنا عبد الله بن أحمد الحموي، أخبرنا إبراهيم بن خزيم الشاشي، أخبرنا عبد بن حميد، حدثنا شبابة، عن إسرائيل، عن ثوير قال: سمعت ابن عمر يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن أدنى أهل الجنة منزلة لَمَنْ ينظر إلى جنانه وأزواجه ونعيمه وخدمه وسرره مسيرة ألف سنة، وأكرمهم على الله من ينظر إلى وجهه غدوة وعشية» ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة».

1 | 2 | 3